فصل: سنة خمس وستين واربع مائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 سنة ست وخمسين واربع مائة

فيها قبض السلطان ألب أرسلان على الوزير عميد الملك الكندري ثم قتله في آخر العام المذكور وحمل رأسه إلى نيسابور وكان قد جب مذاكيره لأمر وتفرد بوزارته نظام الملك الطوسي فأبطل ما كان عمله العميد وسلطانه من سب الأشعرية على المنابر وانتصر للشافعية وأكرم زين الإسلام أبا القاسم القشيري وإمام الحرمين أبا المعالي الجويني‏.‏

وكان العميد المذكور من رجال الدهر جوداً وشجاعة وسخاء وكفاية وشهامة مدحه الشعراء منهم‏:‏ أبو الحسين الباخرزي ويقال متغزلاً في قصيدة‏:‏ اكدي بجاري ود كل قرين أم هذه شيم الظباء العين قصوا علي حديث من قيد الهوى إن التأسي روح كل حزين إلى أن قال بعد غزل طويل‏:‏ فإذا عميد الملك حلى ربعه طرفاً تعال الطائر الميمون ملك إذا ما العزم حث جياده مزجت بأزهر شامخ العرنين وفيها توفي الحافظ عبد العزيز بن محمد النخشبي وكان من كبار الحفاظ‏.‏

وفيها توفي أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن برهان بفتح الموحدة العكبري النحوي صاحب التصانيف‏.‏قال الخطيب‏:‏ كان متضلعاً بعلوم كثيرة منها النحو واللغة والنسب وأيام العرب والمتقدمين‏.‏

وله أنس شديد بعلم الحديث‏.‏

وكان فقيهاً حنفياً أخذ علم الكلام عن أبي الحسين البصري وتقدم فيه‏.‏

وفيها توفي أبو علي الحسن بن رشيق أحد الفضلاء صاحب التصانيف المليحة والرسائل الفائقة والنظم الجليل‏.‏

سكن القيروان ولم يزل إلى أن هجم العرب وقتلوا أهلها وأخربوها فانتقل إلى جزيرة صقلية وأقام بمارز إلى أن توفي بها وهي قرية في الجزيرة المذكورة وينسب الإمام المارزى إليها‏.‏

ومن شعر ابن رشيق المذكور‏.‏أحب أخي وإن أعرضت عنه ** وقل على مسامعه كلامي

ولي في وجهه تقطيب راض ** كما قطبت في وجه المدام

ورب تقطب من غير بغض ** وبغض كان من تحت ابتسامي

ما لي بعثت إلي ألف بعوضة ** وبعثت واحدة إلى نمرود

وله‏:‏

وقائلة ماذا الشجون وذا الضنا ** فقلت لها قول المشوق المتيم

هواك أتاني وهو ضيف أعزه ** فأطعمته لحمي وأسقيته دمي

وفيها توفي الإمام العلامة أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري الأموي مولاهم الفارسي الأصل الاندلسي القرطبي صاحب المصنفات‏.‏

مات مشرداً عن بلده من قبل الدولة وكان إليه المنتهى في الذكاء وحدة الذهن وسعة العلم بالكتاب والسنة والمذاهب والملل والنحل والعربية والأدب والمنطق والشعر مع الصدق والديانة والحشمة والسؤدد والرئاسة والثروة وكثرة الكتب هكذا وصفه الذهبي بهذه الأوصاف‏.‏

وقال ابن خلكان‏:‏ كان حافظاً عالماً بعلوم الحديث وفقهه مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنة بعد أن كان شافعي المذهب انتقل إلى مذهب أهل الظاهر وكان متفنناً في علوم جمة عاملاً بعلمه زاهداً في الدنيا بعد الرئاسة التي كانت له ولاية من قبله في الوزارة وتدبير الممالك متواضعاً ذا فضائل جمة وتواليف كثيرة وسمع سماعاً جماً وألف في فقه الحديث كتاباً سماه الإيصال إلى فهم كتاب الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام في الواجب والحلال والحرام والسنة والإجماع أورد فيه أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين وكتب أخرى كثيرة منها كتاب اظهار تبديل اليهود والنصارى في التوراة والإنجيل وبيان تناقص ما بأيديهم من ذلك ممن ما لا يحتمله التأويل‏.‏وهذا معنى لم يسبق إليه وكتاب التقريب بحد المنطق والمدخل أتى فيه بالأمثال العامة والأمثلة الفقهية سلك في بيانه وإزالة سوء الظن عنه وتكذيب المحرفين به طريقة لم يسلكها أحد قبله‏.‏

وكان شيخه في المنطق محمد بن الحسن المذحجي بسكون الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة والجيم المعروف بابن الكتاني وكان أديباً شاعراً طبيباً له في الطب رسائل وكتب في الأدب‏.‏

وقال الحافظ أبو عبدالله محمد بن فتوح الحميدي‏:‏ ما رأينا مثله فهماً اجتمع له مع الذكاء وسرعة الحفظ وكرم النفس واليدين وما رأيت من يقول الشعر في البديهة وأسرع منه‏.‏

ثم قال‏:‏ أنشدني لنفسه‏:‏

لئن أصبحت مرتحلاً بجسمي ** فروحي عندكم أبداً مقيم

ولكن للعيان لطيف معنى ** بنظرتنا إلى وجه الكليم

وروى الحافظ الحميدي له أيضاً‏:‏ أقمنا ساعة ثم ارتحلنا وما يغني المشوق وقوف ساعه كأن الشمل لم يك ذا اجتماع إذا ما شتت البين اجتماعه وذي عدل فيمن سيأتي حسنه يطبل ملامي في الهوى ويقول أفي حسن وجه لاح لم تر غيره ولم تدر كيف الجسم أنت قتيل فقلت له أسرفت في اللوم ظالماً وعندي رد لو أردت طويل ألم تر أني ظاهري وأنني على ما بدا حتى يقوم دليل قلت في قوله هذا مناقشة وهي أن لا يكون الوجه الظاهر مستحيلاً في العقد كما في صفات الله في الاستواء والنزول إلى سماء الدنيا وأن لا يكون مخالفاً للقياس الجلي كما هو معلوم في التشنيع على داود الظاهري في تنجس الماء بالبول فيه ولا يتنجس بالتغوط فيه‏.‏

قالوا وكان كثير الوقوع في العلماء المتقذمين لا يكاد أحد يسلم من لسانه فنفرت عنه القلوب واستهدف من فقهاء وقته فتمالؤوا على بغضه وردوا قوله واجتمعوا على تضليله وشنعوا عليه وحذروا سلاطينهم من فتنته ونهوا عوامهم عن الدنو إليه والأخذ عنه فاقتصته الملوك وشردوه عن بلادهم حتى انتهى إلى بادية فمات بها‏.‏

وقال أبو العبالس بن العريف‏:‏ كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج بن يوسف شقيقين يعني بذلك كثرة وقوعه في الأئمة كما قد عرف من صنيع الحجاج بهم وسفكه لدمائهم‏.‏وكان والد ابن حزم المذكور وزير الدولة العامرية أي وزير أبي تمام المنصور في بلاد المغرب وكان من أهل العلم والأدب والخير وقال ولد ابن حزم‏:‏ إذا شئت أن تحبني غنياً فلا تكن على حالة إلا رضيت بدونها

 سنة سبع وخمسين واربع مائة

فيها توفي العيار سعيد بن أبي سعيد وأبو عثمان أحمد بن محمد النيسابوري‏.‏

 سنة ثمان وخمسين واربع مائة

فيها ولدت بنت لها رأسان ورقبتان ووجهان على بدن واحد ببغداد‏.‏

وفيها توفي الإمام الكبير الحافظ النحرير أحمد بن الحسين البيهقي الفقيه الشافعي واحد زمانه وفرد أقرانه في الفنون من كبار أصحاب الحاكم أبي عبدالله بن البيع في الحديث الزائد عليه في أنواع العلوم له مناقب شهيرة وتصانيف كثيرة بلغت ألف جزء نفع الله تعالى بها المسلمين شرقاً وغرباً وعجماً وعرباً لفضله وجلالته وإتقانه وديانته تغمده الله برحمته غلب عليه الحديث واشتهر به ورحل في طلبه إلى العراق والجبال والحجاز وسمع بخراسان من علماء عصره وكذلك بقية البلاد التي انتهى إليها وأخذ الفقه عن أبي الفتح ناصر بن محمد العمري المروزي وهو أول من جمع نصوص الشافعي في عشر مجلدات‏.‏ومن مشهور مصنفاته السنن الكبير والسنن الصغير ودلائل النبوة والسنن والآثار والخلافيات وهو من الكتب الباهرة وشعب الايمان ومناقب الإمام الشافعي ومناقب الإمام احمد والأسماء والصفات والبعث والنشور و كتاب الاعتقاد وكتاب الدعوات وكتاب الزهد وكتاب المدخل وكتاب الآداب وكتاب الترغيب وكتاب الأسرار‏.‏

قال الشيخ الإمام عبد الغافر الفارسي‏:‏ كان على سيرة العلماء قانعاً باليسير من الدنيا محموداً في زهده وورعه‏.‏

وذكر غيره أنه سرد الصوم ثلاثين سنة وذكر بعضهم أن مشايخه نحو المائة قال وليسوا بالنسبة إلى علومه بكثير ولكن بورك للرجل في ذلك لكنه سمع مصنفات عديدة ومع هذا فاته أشياء منها‏:‏ مسند الإمام‏.‏

هكذا قال في الأصل وكأنه يعني الإمام أحمد‏.‏

ومنها سنن النسائي وابن ماجة وجامع الترمذي كل هذه ليست عنده إلا ما قل منها وقال إمام الحرمين في حقه‏:‏ ما من شافعي المذهب إلا وللشافعي عليه منة إلا أحمد البيهقي فإن له على الشافعي منة فإنه كان أكثر الناس نصراً لمذهب الشافعي‏.‏

وطلب إلى نيسابور لنشر العلم فأجاب وانتقل إليها وكان على سيرة السلف وأخذ عنه الحديث جماعة من الأعيان كالفراوي وعبد المنعم القشيري وزاهر وغيرهم‏.‏

وكان مولده في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاثمائة ونسبته إلى بيهق بفتح الموحدة وسكون المثناة من تحت وبعد الهاء المفتوحة قاف وهي قرى مجتمعة بنواحي نيسابور على عشرين فرسخاً منها‏.‏

وفيها توفي الفقيه الإمام القاضي أبو عاصم محمد بن محمد بن أحمد العبادي الهروي الشافعي وكان إماماً متقناً انتقل في البلاد ولقي خلقاً من المشايخ وأخذ عنهم وصنف كتباً نافعة منها المبسوط و الهادي إلى مذهب العلماء و الرد على السمعاني وأدب القضاء وطبقات الفقهاء وسمع الحديث ورواه‏.‏

فيها توفي القاضي أبو يعلى شيخ الحنابلة البغدادي فقيه عصره في مذهبه‏.‏

وفيها توفي ابن سيدة أبو الحسن علي بن اسماعيل الحافظ كان إماماً في اللغة والعربية وكان حافظاً لهما وله كتاب المحكم والمخصص كلاهما في اللغة وكتاب الأنيق ستة مجلدات في شرح الحماسة وغير ذلك‏.‏

ووجد على ظهره مجلد من المحكم بخط بعض الفضلاء‏:‏ إن ابن سيدة دخل المتوضي وهو صحيح فأخرج منه وقد سقط لسانه وانقطع كلامه ثم مات بعد يومين نسأل الله تعالى العفو والعافية‏.‏

 سنة تسع وخمسين واربع مائة

في ذي القعدة منها فرغت عمارة المدرسة النظامية التي أنشأها الوزير نظام الملك وقرر لتدريسها الشيخ أبا إسحاق الشيرازي فاجتمع الناس ولم يحضر إذ لقيه في الطريق صبي وقال‏:‏ كيف تدرس في مكان مغصوب فرجع واختفى‏.‏

فلما أيسوا من حضوره وقد اجتمع فيها وجوه الناس وقالوا‏:‏ إما ينبغي أن ينصرف هذا الجمع من غير تدريس‏.‏فأرسل إلى أبي نصر الصباغ مصنف الشامل فدرس‏.‏

فلما وصل الخبر إلى الوزير أقام القيامة على العميد أبي سعيد فلم يزل يرفق بالشيخ أبي إسحاق حتى درس وعمد إلى قبر الإمام الأعظم أبي حنيفة الكوفي رضي الله تعالى عنه فبنى عليه قبة عظيمة وأنفق عليها أموالاً جسيمه‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي أبو نصر أحمد بن عبد الباقر الموصلي وأبو مسلم الأصبهاني الأديب المفسر المقرىء‏.‏

 سنة ستين واربع مائة

فيها أوقبلها كان غلاء عظيم بمصر‏.‏

وفيها كانت الزلزلة التي هلك فيها بالرملة وحدها على ما ذكر ابن الأثير خمسة وعشرون ألفاً وقال‏:‏ انشقت الصخرة ببيت المقدس وعادت بإذن الله تعالى وأبعد الله سبحانه البحر عن ساحله مسيرة يوم‏.‏وفيها توفي عبد الدائم بن الهلال الجوزاني ثم الدمشقي والواسطي أبو الجوائز الحسن بن علي الكاتب‏.‏كان من الفضلاء أديباً شاعراً حسن الشعر ومن شعره‏:‏ دع الناس طراً واصرف الود عنهم إذا كنت في أخلاقهم لا تسامح ولا تبغ من دهر بظاهر ريقة صفاء بنيه في الطباع جوامح شيئان معدومان في الأرض‏:‏ درهم حلال وخل في الحقيقة ناصح وبراني الهوى بري المدى وأذا بني صدودك حتى صرت أنحل من أمس ولست أرى حتى أراك وإنما يبين هباء الذر في ألق الشمس سنة احدى وستين واربع مائة فيها توفي الفوراني بالنون قبل ياء النسبة عبد الرحمن بن محمد بن فوران المروزي شيخ الشافعية وتلميذ القفال صاحب التصانيف الكثيرة في الأصول والمذهب والخلاف والجدل والملل والخل‏.‏انتهت إليه رئاسة الطائفة الشافعية وطبق الأرض بالتلامذة وله في المذهب الوجوه الجيدة وصنف فيه كتاب الإبانة وهو كتاب مفيد وحكى بعض فضلاء المذهب أن إمام الحرمين كان يحضر حلقته وهو شاب ولا يصغي إلى قوله فبقي في نفسه منه شيء فمتى قال في النهاية وقال بعض المصنفين كذا وغلط في كذا فمراده الفوراني هكذا قيل والله أعلم وهو بضم الفاء وسكون الواو وبالراء قبل الألف وبعدها نون ثم ياء النسبة وعنه أخذ أبو الحسن المتولي صاحب اليتيمة‏.‏وفيها توفي عبد الرحمن بن أحمد البخاري الحافظ‏.‏

وأبو الحسين محمد بن مكي الأزدي المصري وأبو الحسين نصر بن عبد العزيز الفارسي الشيرازي‏.‏

 سنة اثنتين وستين وأربع مائة

فيها‏:‏ أقبلت جيوش الروم فنزلوا على منبج فاستباحوها وأسرعوا الكرة لفرط القحط حتى بيع فيهم رطل الخبز بدينار‏.‏

وفيها أقيمت الخطبة العباسية في الحجاز وقطعت خطبة المصريين لاشتغالهم بما هم فيه من القحط والوباء الذي لم يسمع في الدهور بمتله وكاد الخراب يستولي على وادي مصر حتى نقل صاحب مرآة الزمان أن امرأة خرجت وبيدها مد جوهر فقالت‏:‏ من يأخذه بمدبر فلم يلتفت إليها أحد فألقته في الطريق وقالت‏:‏ هذا ما نفعني وقت الحاجة فلا أريده فلم يلتفت إليه أحد‏.‏هكذا ذكروا لله تعالى أعلم بصحته ولما جاءت الشارة بإقامة الدعوة للعباسيين بمكة أرسل السلطان ألب أرسلان إلى صاحبها محمد بن أبي هاشم ثلاثين ألف دينار وخلعاً‏.‏

وفيها توفي الإمام الكبير الفقيه الشهير القاضي حسين بن محمد المروزي شيخ الشافعية في زمانه صاحب التعليقة في الفقه والوجوه الغريبة أخذ عنه الفقه عن الإمام أبي بكر القفال المروزي وصنف في الأصول والفروع والخلاف ولم يزل يحكم بين الناس ويدرس ويفتي أخذ عنه الفقه جماعة من الأعيان منهم أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي صاحب كتاب التهذيب وشرح السنة وغيرهما قلت‏:‏ كلما أطلق العلماء الشافعية في الفروع من لفظ القاضي فالمراد به القاضي حسين المذكور‏.‏

واما في الأصول إذا أطلق ذلك أهل السنة فالمراد به القاضي أبو بكر الباقلاني وإذا قالوا‏:‏ القاضيان فالمراد بهما‏:‏ هو والقاضي عبد الجبار المعتزلي وإذا أطلقوا الشيخ فالمراد به أبو الحسن القشيري وعند الفقهاء المراد به الشيخ أبو محمد الجويني وإذا أطلقوا الإمام فالمراد به عند الفقهاء وبعض الأصوليين إمام الحرمين‏.‏وأكثر الأصوليين يريدون به فخر الدين الرازي‏.‏

وفيها توفي الإمام اللغوي أبو غالب بن بشران الواسطي الحنفي ويعرف بابن الخالة‏.‏

وفيها توفي السيد الجليل الفقه الإمام أبو عبدالله محمد بن عتاب بفتح العين المهملة وتشديد المثناة من فوق وبعد الألف موحدة الحراني مولاهم المالكي مفتي قرطبة وعالمها ومحدثها وأورعها‏.‏

 سنة ثلاث وستين واربع مائة

فيها أقام صاحب حلب محمود بن صالح الكلابي الخطبة العباسية ولبس الخطيب السواد وأخذت رعاع الرافضة حضر الجامع وقالوا‏:‏ هذه حصر الإمام علي فليأت أبو بكر بحصره وجاءت محموداً الخلع مع طراد الذهب ثم بعد قليل جاء السلطان ألب أرسلان وحاصر محموداً فخرجت أمه بتقاديم وتحف فترحل عنهم‏.‏

وفيها كانت الملحمة الكبرى وخرج أرمانوس في مائتي ألف من الفرنج والروم والكرج بالجيم فوصلوا إلى منازكرد فبلغ السلطان كثرتهم وما عنده سوى خمسة عسر ألف فارس فصبحهم على الملتقى وقال‏:‏ إن استشهدت فإنني ملك شاه ولى عهدي‏.‏

فلما التقى الجمعان أرسل بطلب المهادنة فقال طاغية الروم‏:‏ لا هدنة إلا بالري فاحتد ألب أرسلان وجرى المصاف يوم الجمعة والخطباء على المنابر ونزل السلطان وعفر وجهه قي التراب وبكى وتضرع ثم ركب وحمل فصار المسلمون في وسط القوم وصدقوا فنزل النصر وقتلوا الروم كيف شاؤوا وانهزمت الروم وامتلأت الأرض بالقتلى وأسر أرمانوس فأحضر إلى السلطان فضربه ثلاث مقارع بيده وقال‏:‏ ألم أرسل إليك في الهدنة فأبيت فقال‏:‏ دعني من التوبيخ وافعل ما تريد‏.‏

قال‏:‏ ما كنت تفعل بي لو أسرتني قال‏:‏ فما كنت تظن أن أفعل بك قال‏:‏ إما أن تقتلني وإما أن تشهرني في بلادك وأبعدها العفو قال‏:‏ ما عزمت على غير هذه ثم فدى نفسه بألف ألف وخمس مائه ألف دينار وبكل أسير في مملكته فخلع عليه وأطلق له عدة من البطارقة وهادنه خمسين سنة وشيعه فرسخاً وأعطاه عشرة آلاف دينار برسم الطريق فقال‏:‏ أين جهة الخليفة فعرفوه فكشف رأسه وأومى إلى الجهة بالخدمة‏.‏

وأما المنهزمون ففقدوهم ولما وصل هذا الخبر إلى أطراف بلده ترهب وتزهد وجمع ما أمكنه وكان مائتين وتسعين ألف دينار فأرسله وحلف أنه لا يقدر غيره ثم إنه استولى على بلاد الأرمن‏.‏وفي السنة المذكورة سار بعض أمراء الملك ألب أرسلان فدخل الشام وافتتح الرملة وأخذها من المصريين وحاصر بيت المقدس فأخذه منهم ثم حاصر دمشق وأغارت عسكره وأخربوا أعمال دمشق‏.‏

وفيها توفي أبو حامد الأزهري أحمد بن الحسن النيسابوري والحافظ أحد الأئمة صاحب التآليف المنتشرة في الإسلام أبو بكر الخطيب أحمد بن علي بن ثابت البغدادي‏.‏

روى عن أبي عمر بن مهدي وابن الصلت الأهوازي وطبقتهما ورحل إلى البصرة ونيسابور وأصبهان ودمشق والكوفة والري وصنف قريباً من مائة مصنف وفضله أشهر من أن يوصف وأخذ الفقه عن أبي الحسين المحاملي والقاضي أبي الطيب الطبري‏.‏

وكان فقيهاً نقلت عليه الحديث والتاريخ توفي يوم الاثنين سابع ذي الحجة‏.‏

وقال السمعاني‏:‏ في شوال‏.‏وكان الشيخ ابو إسحاق الشيرازي من جملة من حمل نعشه وكان يراجعه في تصانيفه قلت يعني فيما يتعلق بالحديث وذكر محب الدين النجار بسنده أن أبا بكر بن زهر الصوفي كان قد أعد لنفسه قبراً إلى جانب قبر بشر الحافي وكان يمضي إليه في كل أسبوع مرة وينام فيه ويقرأ فيه القرآن كله فلما مات الفقيه الخطيب وكان قد أوصى أن يدفن إلى جانب قبر بشر جاء أصحاب الخطيب إلى ابن زهر وسألوه أن يدفن الخطيب في القبر الذي أعده لنفسه وأن يؤثره به فامتنع من ذلك امتناعاً شديداً وقال‏:‏ أعددته لنفسي منذ سنتين فيؤخذ مني فلما رأوا ذلك جاؤوا إلى الشيخ أبي سعيد الصوفي وذكروا له ذلك فاستحضره وقال له‏:‏ أنا لا أقول اعطهم القبر ولكن أقول لو أن بشراً الحافي في الأحياء وأنت إلى جانبه فجاء أبو بكر الخطيب ويقعد دونك أكان يحسن منك أن تقعد أعلى منه قال‏:‏ لا بل كنت أقوم وأجلسه في مكاني‏.‏

قال‏:‏ فكذا ينبغي أن يكون الآن‏.‏

قال‏:‏ فطاب قلبه وأذن لهم في دفنه في القبر المذكور في باب حرب‏.‏

وكان الخطيب قد تصدق بجميع ماله وهو مائتا دينار وفرقها على أرباب الحديث والفقهاء والفقراء في مرضه وأوصى أن يتصدق عنه بجميع ما عليه من الثياب ووقف جميع كتبه على المسلمين ولم يكن له عقب‏.‏

ورأيت له منامات صالحة بعد موته وكان قد انتهى إليه علم الحديث وحفظه‏.‏

قال ابن موكولا‏:‏ لم يكن للبغداديين بعد الدارقطني مثل الخطيب‏.‏

وفيها توفي أبو علي حسان بن سعيد رئيس مرو الروذ الذي عم خراسان بره وأفضاله وكان يكسي في كل عام ألف نفس وأنشأ الجامع المنيع‏.‏

وفيها توفي أبو عمرو المنبجي الهروي المحدث كان ثقة صالحاً‏.‏

وفيها توفيت أم الكرام كريمة أحمد المروزية المجاورة بمكة‏.‏

روت الصحيح وكانت ذات ضبط وفهم ونباهة وما تزوجت قط وقيل إنها بلغت المائة وسمع منها خلق وفيها توفي أبو الغنائم الزجاجي البغدادي‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو عمر بن عبد البر القرطبي أحد الأعلام وصاحب التصانيف وعمره خمس وتسعون سنة وخمسة أيام قيل‏:‏ وليس لأهل المغرب أحفظ منه مع الثقة والدين والنزاهة والتبحر في الفقه والعربية والأخبار‏.‏

وله من التصانيف كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد و كتاب الاستدراك لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من المعاني والرأي والآثار‏.‏

و كتاب الاستيعاب في اسماء الصحابة النجاب وكتاب جامع بيان العلم وفصله وما ينبغي في روايته وحمله وكتاب الدرر في اختصار المغازي والسير وكتاب العقل والعقلاء وما جاء في أوصافهم وكتاب بهجة المحاسن في أنس المجالس وكتاب صغير في قبائل العرب وأنسابهم وغير ذلك‏.‏

وكان له بسطة كبيرة في علم النسب مع ما تقدم من الفقه والأخبار والعربية‏.‏

 سنة اربع وستين واربع مائة

فيها توفي أبو الحسن جابر بن نصر البغدادي العطار والمعتضد بالله عباد ابن القاضي محمد بن اسماعيل اللخمي صاحب إشبيلية ولي بعد أبيه وكان شهماً مقداماً صارماً قتل جماعة وصاد آخرين ودانت له الملوك‏.‏

وفيها توفي ابن حيدة بكر بن محمد النيسابوري‏.‏

 سنة خمس وستين واربع مائة

فيها قتل ألب أرسلا وتسلطن ابنه ملكشاه وفيها افترق الجيش واقتلوا فقتل نحو الأربعين ألفاً ثم التقوا مرة ثانية وكثر القتل في العبيد وانتصر الأتراك وضعف المستنصر وأنفق خزائنه في رضائهم وغلب العبيد على السعيد ثم جرت لهم وقعات وعاد الغلاء المفرط والوباء ونهب الجند دور العامة‏.‏

قال ابن الأثير‏:‏ اشتد البلاء والوباء حتى إن أهل البيت كانوا يمولون في ليلة وحتى حكي أن امرأة أكلت رغيفاً بألف دينار باعت عروضاً لها قيمة ألف دينار واشترت بها حملة قمح وحمله الحمال على ظهره فنهبت الحملة فنهبت المرأة مع الناس فحصل لها رغيف واحد‏.‏

وفيها توفي السلطان الكبير عضد الدولة أبو شجاع‏:‏ ألب أرسلان ابن الملك داود بن ميكائيل بن سلجوق بفتح السين المهملة وضم الجيم بين الواو واللام أول من قيل له السلطان على منابر بغداد‏.‏

وكان فى آخر دولته من أعدل الناس وأحسنهم سيرة وأرغبهم في الجهاد وفي نصر الإسلام ثم عبر نهر جيحون ومعه نحو مائتي ألف فارس وقيل إنه لم يعبر الفرات في قديم الزمان ولا في حديثه في الإسلام ملك تركي قبل ألب أرسلان فإنه أول من عبرها من ملوك الترك فأتى بمتولي قلعة يقال له يوسف الخو ارزمي فأمر أن يشد بأربعة أوتاد فقال‏:‏ يا مخنث مثلي يقتل هكذا فغضب السلطان فأخذ القوس والنشاب فقال‏:‏ خلوه فرماه فأخطأه وكان قل أن يخطىء فشد يوسف عليه فنزل السلطان فأخذ القوس والنشاب فقال‏:‏ خلوه عن السرير فعثر فبرك عليه يوسف وضربه بسكين معه في خاصرته فشد مملوك على يوسف فقتله ثم مات السلطان من ذلك وكان أهل سمرقند قد خافوه وابتهلوا إلى الله تعالى وفروا إليه ليكفيهم أمر ألب أرسلان فكفاهم‏.‏

وفيها توفي أبو الغنائم عبد الصمد بن علي الماسع سمع جده أبا الفضل ابن المأمون الدار قطني وجماعة‏.‏

قال أبو سعيد السمعاني‏:‏ كان ثقة نبيلاً مهيباً تعلوه سكينة ووقار رحمه الله‏.‏

وفيها توفي الأستاذ الكبير العارف بالله الشهير السيد الجليل الإمام جامع الفضائل والمحاسن زين الإسلام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري الصوفي شيخ خراسان وأستاذ الجماعة ومصنف الرسالة‏.‏

قال أبو سعيد السمعاني‏:‏ لم ير أبو القاسم مثل نفسه في كماله وبراعته كان علامة في الفقه والتفسير والحديث والأصول والشعر والأدب والكتابة وعلم التصوف جمع بين الشريعة والحقيقة أصله من ناحية اسنوا من العرب الذين قدموا خراسان‏.‏

توفي أبوه وهو صغير فتعلم الأدب وحضر مجلس الأستاذ ابي علي الدقاق وكان إمام وقته فلما سمع كلامه أعجبه ووقع في قلبه فسلك طريق الإرادة فقبله الدقاق وأقبل عليه وتفرس فيه النجابة فجذبه بهمته وأشار عليه بالاشتغال بالعلم فخرج إلى درس محمد بن أبي بكر الطوسي وشرع في الفقه حتى فرغ من تعليقه ثم اختلف إلى الأستاذ أبي بكر بن فورك فقرأ عليه حتى أتقن علم الأصول ثم تردد إلى الأستاذ أبي إسحاق الاسفرائيني وقعد ليسمع درسه أياماً فقال الأستاذ‏:‏ هذا العلم لا يحصل بالسماع ولا بد من الضبط بالكتابة فأعاد عليه جميع ما سمع منه في تلك الأيام فعجب منه وعرف محله فأكرمه وقال له‏:‏ ما تحتاج إلى درس بل يكفيك أن تطالع مصنفاتي‏.‏

فقعد وجمع بين طريقته وطريقة ابن فورك ثم نظر في كتب القاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني وهو مع ذلك يحضر مجلس الأستاذ ابي علي الدقاق وزوجه ابنته مع كثرة أقاربها وبعد وفاة أبي علي سلك مسلك المجاهدة والتجريد وأخذ في التصنيف فصنف التفسير الكبير وسقاه التيسير في علم التفسير وهو من أجود التفاسير وصنف الرسالة في رجال الطريقة وخرج إلى الحج في رفقة فيها الإمام أبو محمد الجويني وإمام الحرمين والإمام الحافظ أحمد بن الحسين البيهقي وجماعة من المشاهير وسمع منهم الحديث في بغداد والحجاز وكان له في الفروسية واستعمال السلاح الباع الطويل والبراعة البالغة‏.‏

وأما مجلس الوعظ والتذكير فهو إمامها المنفرد بها عقد لنفسه مجلس الإملاء في الحديث‏.‏

وذكره صاحب‏:‏ كتاب دمية القصر وبالغ في الثناء عليه حتى قال في مبالغته‏:‏ لو قرع الصخر بسوط تخويفه لذاب ولو ربط إبليس في مجلسه لناب‏.‏

وذكره الخطيب في تاريخه وقال‏:‏ كان حسن الموعظة مليح الإشارة يعرف الأصول على مذهب الأشعري والفروع على مذهب الشافعي‏.‏

وذكره الشيخ الإمام عبد الغافر في تاريخه فقال‏:‏ عبد الكريم بن هوازن أبو القاسم القشيري الإمام مطلقاً الفقيه المتكلم الأصولي المفسر الأديب النحوي الكاتب الشاعر لسان عصره وسيد وقته ونصر الله بين خلقه شيخ المشايخ وأستاذ الجماعة ومقذم الطائفة ومقصود سالكي الطريقة وبندار الحقيقة وعين السعادة وقطب السيادة وحقيقة الملاحة لم ير مثل نفسه في كماله وبراعته وجمع بين علم الشريعة والحقيقة‏.‏

وذكر الخطيب سماعه من جماعة كثيرين من الأكابر‏:‏ كأبي نعيم والحاكم والخفاف والسلمي وابن فورك وأشباههم‏.‏

قلت‏:‏ وقد ذكرت عن الإمام الحافظ ابن عساكر في كتابي الشاش المعلم محاسن كثيرة وقضايا شهيرة وحذفتها هناك‏.‏

وقال أبو عبدالله محمد بن الفضل الفراوي‏:‏ أنشدنا عبد الكريم بن هوازن لنفسه‏:‏ سقى الله وقتاً كنت أخلو بوجهكم وثغر الهوى في روضة الأنس ضاحك قمنا زماناً والعيون قريرة وأصبحت يوماً والعيون سوافك ومما أنشده في رسالته المشهورة‏.‏ومن كان في طول الهوى ذاق سلوة فإني من ليلى لها غير ذائق وأكثر شيء نبته من وصالها أماني لم تصدق كلمحة بارق وكان ولده أبو نصر عبد الرحيم إماماً كبيراً أشبه أباه في علومه ومجالسه ثم واظب دروس إمام الحرمين أبي المعالي حتى حصل طريقته في المذهب والخلاف ثم خرج إلى الحج فوصل إلى بغداد وعقد بها مجلس وعظ وحصل له قبول عظيم وحضر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي مجلسه وأطبق علماء بغداد على أنه لم ير مثله‏.‏

قلت‏:‏ وسيأتي ذكر شيء من وفي السنة المذكورة توفي الخطيب أبو الحسين محمد بن عل المنتسب إلى المهتدي بالله‏.‏كان سيد بني العباس في زمانه وشيخهم نبيلاً صالحاً متقبلاً يقال له راهب بني العباس لدينه وعبادته وسرده الصوم‏.‏

عاش خمساً وتسعين سنة‏.‏

وفيها توفي أبو القاسم الهذلي يوسف بن علي المتكلم المقرىء النحوي صاحب كتاب الكامل في القراءات‏.‏

كان كثير الترحال حتى وصل إلى بلاد الترك في طلب القراءات المشهورة والشاذة‏.‏

 سنة ست وستين واربع مائة

فيها كان الغرق الكثير ببغداد فهلك خلق تحت الردم وأقيمت الجمعة في الطيار على ظهر الما وكان الموج كالجبإل وغرق بالكلية بعض المحال وبقيت كأن لم يكن وقيل‏:‏ بلغ ارتفاع الماء ثلاثين ذراعاً‏.‏

وفيها توفي ركن الدولة الحسن بن بويه الديلمي صاحب أصفهان والري وهمدان وجميع العراق وهو والد عضد الدولة ومؤيد الدولة وفخر الدولة وأخو معز الدولة‏.‏

وكان ملكاً جليل القدر عالي الهمة‏.‏

وكان أبو الفضل بن العميدي وزيره والصاحب بن عباد وزير ولده مؤيد الدولة قالوا‏:‏ وكان مسعوداً ورزق السعادة في أولاده الثلاثة وقسم عليهم الممالك فقاموا بها أحسن قيام وكان أوسط إخوته قبله عماد الدولة وبعده معن الدولة‏.‏

وفيها توفي أبو سهل الحفصي محمد بن أحمد المروزي راوي الصحيح عن الكشميهني‏.‏

كان رجلاً أميناً مباركاً سمع منه نظام الملك فأكرمه وأجزل صلته‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو محمد الكتاني عبد العزيز بن أحمد التميمي الدمشقي الصوفي‏.‏

والحافظ أبو بكر بن العطار محمد بن ابراهيم الأصفهاني والفقيه أبو المكارم محمد بن سلطان الغنوي الدمشقي الفرضي‏.‏

ويعقوب بن أحمد الصيرفي النيسابوري‏.‏

 سنة سبع وستين واربع مائة

فيها أخذ المستنصر الديار المصرية والإسكندرية ودمياط وبلاد الصعيد‏.‏

وكان قد استضع وأخذ منه جميع ذلك في سنة خمس فعاد إليه جميع ما أخذ منه ثم أخذ يعمر البلاد وأطلق الفلاحين من الكلف ثم بعث الهدايا إلى صاحب مكة فأعاد خطبة المستنصر بعد أن كان قد خطب للقائم بأمر الله أعواماً‏.‏

وفيها عمل السلطان ملك شاه الرصد وأنفق عليه أموالاً عظيمة‏.‏

وفيها توفي محدث الأندلس أبو عمرو بن الحذاء أحمد بن محمد القرطبي‏.‏

والقائم بأمر الله أبو جعفر عبدالله بن القادر بالله‏.‏

ومدة خلافته أربع وأربعون سنة وأشهر وكان ورعاً ديناً كثير الصدقة وله علم وفضل من خير الخلائق لا سيما بعد عوده إلى الخلافة وبويع حفيده المقتدي بأمر الله عبدالله بن محمد القائم‏.‏

وفيها توفي جمال الإسلام أبو الحسن الدراوردي عبد الرحمن بن محمد بن مظفر البوشنجي شيخ خراسان علماً وفضلاً وجلالة وسنداً‏.‏

تفقه على القفال المروزي وأبي الطيب الصعلوكي وأبي حامد الاسفرائيني وروى الكثير عن أبي محمد بن حمويه‏.‏وفيها توفي أبو الحسن الباخرزي بالموحدة والخاء المعجمة بعد الألف وبعده راء ثم زاي الرئيس الأديب علي بن الحسن مؤلف كتاب دمية القصر‏.‏

وكان رأساً في الكتابة والإنشاء والشعر وأوحد عصره في فصله وذهنه سابقاً إلى حيازة قصبات السبق في نظمه ونثره وكان في شبابه مشتغلاً بالفقه على مذهب الإمام الشافعي ملازماً درس أبي محمد الجوني ثم شرع في فن الكتابة وارتفعت به الأحوال وانخفضت ورأى من الدهر العجائب وغلب أدبه على فقهه وعمل الشعر والحديث وصنف كتاب دمية القصر وعصرة أهل العصر وهو ذيل يتيمة الدهر التي للثعالبي جمع فيها خلقاً كثيراً وله ديوان شعر في مجلد كبير‏.‏

ومن نظمه‏:‏

يا فالق الصبح من لا غرته ** وجاعل الليل في أصداغه سكنا

بصورة الوثن استعبدتني وبها ** قيدتني وقديماً هيجت لي شجنا

لا عز إن أحرقت نار الهوى كبدي ** فالنار حق على من يعبد الوثنا

والأمير عز الدولة محمود بن نصر بن صالح الكلابي صاحب حلب ملكها عشرة أعوام وكان شيخاً فارساً جواداً ممدوحاً يداري المصريين والعباسيين أوسط داره بينهما ولي بعده ابنه نصر فقتله بعض الأتراك بعد سنة‏.‏

 سنة ثمان وستين واربع مائة

فيها حوصرت دمشق واشتد بها الغلاء وعدمت الأقوات ثم تسلم البلد بالأمان وأقيمت الخطبة العباسية وأبطل شعار الشيعة من الأذان وغيره‏.‏

وفيها توفي مقرىء واسط الحسن بن قاسم الواسطي كان أحد من اجتهد في القراءات ورحل فيها إلى البلاد وصنف فيها‏.‏وفيها توفي أبو الفتح عبد الجبار بن عبدالله الرازي الواعظ الجوهري‏.‏

والإمام المفسر أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري أستاذ عصره في النحو والتفسير تلميذ أبي إسحاق الثعلبي وأحد من برع في العلم وصنف التفاسير الشهيرة المجمع على حسنها والمشتغل بتدريسها والمرزوق السعادة فيها وهي البسيط و الوسيط و الوجيز ومنه أخذ أبو حامد الغزالي أسماء كتبه الثلاثة وله كتب أخرى بعضها فيما يتعلق بأسماء الله الحسنى وكتاب أسباب النزول و شرح كتاب المتنبي شرحاً مستوفي‏.‏

قيل‏:‏ وليس في شروحه - مع كثرتها - مثله وذكر فيه أشياء وإذا المكارم والصوارم والقنا وبنات أعوج كل شيء يجمع ثم قال‏:‏ أعوج‏:‏ فحل كريم كان لبني هلال بن عامر وإنه قيل لصاحبه‏:‏ ما رأيت من شدة عدوه قال‏:‏ ضللت في بادية وأنا راكبه فرأيت قطاً يقصد الماء فتبعته وأنا أغض من لجامه - حتى توافينا الماء دفعة واحدة‏.‏

وهذا غريب فإن القطا شديد الطيران وإذا قصد الماء اشتد طيرانه أكثر من غير قصده الماء وهو كان يمض من لجامه أن يكفه عن شدة العدو‏.‏

وقيل وإنما لقب أعوج لأنه كان صغيراً فجاءتهم غارة فهربوا منها وطرحوه في خرج وحملوه لعدم قدرته على المشي معهم لصغره فاعوج ظهره من ذلك فقيل له أعوج‏.‏

والواحدي نسبة قيل إلى الواحد بن مهرة على ما حكاه العسكري‏.‏

وفيها توفي محدث همدان وزاهداها‏:‏ يوسف بن محمد الخطيب‏.‏

وفيها توفي العبد الصالح أبو القاسم يوسف بن محمد الهمداني الصوفي الذي خرج له الخطيب خمسة أجزاء‏.‏

وفيها توفي البياضي الشاعر المشهور مسعود بن عبد العزيز الهاشمي وهو من الشعراء المجيدين في المتأخرين وديوان شعره صغير وهو في غاية الرقة‏.‏

ومن شعره‏:‏

إن غاض دمعك والركاب تساق ** - مع ما بقلبك - فهو منك نفاق

وإنما قيل له البياضي لأن أحد أجداده كان في مجلس بعض الخلفاء مع جماعة من العباسيين

 سنة تسع وستين واربع مائة

فيها كانت فتنة لما وعظ الإمام الكبيرالعلامة الشهير أبو نصر ابن الأستاذ الإمام زين الإسلام أبي القاسم القشيري ببغداد في النظامية وكان قد حصل له إقبال عظيم وحضر مجلسه أكابر العلماء كالإمام أبي إسحاق الشيرازي وغيره من الجلة كما تقدم ذكره ونصر في وعظه مذهب الأشعرية وحط على مذهب الحنبلية فهاجت الفتنة وثارت العصبية وقتل جماعة‏.‏وفي السنة المذكورة توفي أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد السلمي‏.‏

وفيها توفي المحدث المتقن مسند الأندلس حاتم بن محمد التيمي القرطبي‏.‏وفيها توفي مؤرخ الأندلس ومسندها حبان - بن خلف بن حسين القرطبي‏.‏

وفيها توفي الإمام النحوي أبو الحسن طاهر بن أحمد بن بابشاذ النحوي صاحب المصنفات المفيدة منها المقدمة المشهورة وشرحها و شرح الجمل للإمام الكبير الزجاجي وشرح كتاب الأصول لابن السراج ومسودات في النحو توفي قبل إتمامها‏.‏

قيل‏:‏ لو بيضت قاربت خمسة عشر مجلداً وانتفع الناس بعلمه وتصانيفه‏.‏

كان بمصر إمام عصره في النحو وكانت وظيفته أن ديوان الإنشاء لا يخرج حتى يعرض عليه ويتأمله فإن كان فيه خطأ من جهة النحو واللغة أصلحه كاتبه وإلا استرضاه فيسير إلى الجهة التي كتب إليها وكان له على ذلك راتبة من الخزانة يتناوله في كل شهر وأقام على ذلك زمانأ‏.‏ويحكى أنه كان يوماً يأكل طعاماً في سطح جامع مصر وعنده ناس فحضرهم قط فرموا له لقمة فأخذها في فيه وغاب عنهم ثم عاد إليهم فرموا له شيئاً آخر ففعل ذلك مراراً كثيرة فعجبوا منه وتبعوه فوجدوه يرقى إلى حائط في سطح الجامع ثم ينزل إلى موضع خال فيه قط أعمى وكلما يأخذه من الطعام يحمله إلى ذلك القط فيأكله فتعجبوا من ذلك وكان سبباً لاستغنائه عن الخدمة لما تفكر من كونه حيواناً أعمى لا يهتدي إلى يقوم بحاله سخر الله له هذا القط يقوم بكفايته ويسوق إليه الرزق المقسوم فكيف يضيع من هو مثلي ونزل عن راتبه ولزم البيت متوكلاً على الله تعالى فما زال ملطوفاً به محمول الكلفة إلى أن مات وقيل‏:‏ إنه خرج ليلة من غرفة في سطح الجامع‏.‏

فزلت رجله في بعض الطاقات المجهولة للضوء فسقط وأصبح ميتاً وأصله على ما ذكر بعضهم من الديلم وبابشاذ‏:‏ كلمة عجمية يتضمن معناها الفرح والسرور‏.‏

 سنة سبعين وإربع مائة

فيها كانت فتنة كبيرة ببغداد بسبب الاعتقاد ووقع النهب في البلد وأشتد الخطب وركب العسكر وقتلوا جماعة حتى فتر الأمر‏.‏

قلت‏:‏ هكذا أطلق بعض المؤرخين ولم تبن هذه الفتنة بين أهل السنة والرافضة أو بين الأشعرية والحنبلية‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي الحافظ أبو صالح أحمد بن عبد الملك النيسابوري محدث خراسان في زمانه روى عن أبي نعيم وعن أبي الحسين البغدادي و للحاكم وخلق ورحل إلى أصفهان وبغداد ودمشق وله ألف حديث عن ألف شيخ‏.‏

وفيها توفي أبو الحسين بن النقور بفتح النون وتشديد القاف محمد بن محمد البغدادي المحدث البزاز‏.‏

وكان يأخذ على اشغال الطلبة لأنهم كانوا يفوتون عليه الكسب لعياله أفتاه بجواز ذلك الشيخ إبو إسحاق‏.‏

وتوفي وله إحدى وتسعون سنة‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو القاسم عبيد الله بن الجلاد‏.‏وفيها توفي الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن منده الأصبهاني صاحب التصانيف كان ذا سعت ووقار وله أصحاب وأتباع‏.‏

قال الذهبي‏:‏ وفيه تسنن مفرط أوقع بعض العلماء في الكلام في معتقده وتوهموا فيه التجسيم‏.‏

قال‏:‏ وهو بريء منه فيما علمت ولكن لو قصر من شأنه لكان أولى به‏.‏

قلت وكلام الذهبي هذا يحتاج إلى إيضاح فقوله‏:‏ فيه تسنن مفرط أي‏:‏ مبالغ في الأخذ بظواهر السنة والاستدلال بها وجحد حملها على التأويل‏.‏

وقوله‏:‏ أوقع بعض العلماء يعني‏:‏ بعض العلماء المتكلمين المؤولين وقوله توهموا فيه التجسيم‏:‏ لأن الجري على اعتقاد الظواهر ومنع التأويل فيها يدل على ذلك والكلام فيه يطول وقد أوضحت ذلك في الأصول‏.‏

وقوله‏:‏ لو قصر من شأنه لكان أولى به‏:‏ أي لو ترك المبالغة في التظاهر بذلك والاستشهاد به لكان أولى‏.‏

وأما قوله‏:‏ وهو بريء منه فشهادة على أمر باطن والله أعلم بحقيقته نهاية ما ثم إنه ما يصرح بالتجسيم بلسانه لكن يقول بالجهة وأسلم ما في ذلك أنه يلزم منه القول بالتجسيم‏.‏

وفي لزوم المذهب خلاف مشهور عند العلماء هل هو مذهب أم لا هذا إذا اقتصر على اعتقاد الجهة فأما إذا اعتقد الحركة والنزول والجارحة فصريح في التجسيم‏.‏

لا دوران حوله - نسأل الله الكريم الاستقامة على الدين القويم بجاه نبيه عليه أفضل الصلوات والتسليم‏.‏

وللمحدثين في اقتداء الإمامين الكبيرين الشهيرين الورعين الفقهين المحدثين جامعي المحاسن والمفاخر‏:‏ الشيخ السيد الفاضل محيي الدين النواوي والحافظ أبو القاسم ابن عساكر - كفاية والله ولي الهداية‏.‏

 سنة احدى وسبعين واربع مائة

فيها دخل الشام تاج الدولة أخو السلطان ملك شاه من جهة أخيه وأخذ حلب ودمشق وكان عسكره التركمان‏.‏

وكان أقسيس الخوارزمي قد جاءت المصريون لحرب فاستنجد بتتش بالمثناة من فوق مكررة ثم الشين المعجمة عندما أخذ حلب فسار إليه وفر المصريون فخرج أقسيس إلى خدمة تتش فأظهر الغضب لكونه ما تلقاه إلى بعيد وقتله في الحال وأحسن سيرته في الشاميين‏.‏

وفيها توفي أبو علي بن البناء الفقيه الزاهد الحسن بن أحمد البغدادي الحنبلي صاحب التآليف والتاريخ‏.‏

وفيها توفي الحافظ الكبير أبو علي الحسن بن علي التجيبي - رحل وطوف وجمع وصنف‏.‏

وفيها توفي الحافظ القدوة الزاهد نزيل الحرم الشريف وجار بيت الله المنيف أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني‏.‏

سئل محمد بن طاهر المقدسي عن أفضل من رأى فقال‏:‏ سعد الزنجاني وشيخ الإسلام الأنصاري‏.‏

فقيل‏:‏ أيهما كان أفضل فقال‏:‏ الأنصاري كان متقناً وأما الزنجاني فكان أعرف بالحديث منه‏.‏

وقال غيره‏:‏ كان الزنجاني إماماً كبيراً‏.‏

وفيها توفي عبد العزيز بن علي أبو القاسم الأنماطي‏.‏

روى عن المخلص ومات في رجب‏.‏

وفيها توفي الشيخ الإمام النحوي العلامة صاحب التصانيف المفيدة‏:‏ عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني الشافعي الأشعري‏.‏

ومن تصانيفه المغني في شرح الإيضاح ثلاثون مجلداً‏.‏

قلت وكلامه في علم المعاني والبيان يدل على جلالته وتحقيقه وديانته وتوفيقه‏.‏

وقيل إنه مات في سنة أربع وسبعين‏.‏

وفيها توفي شيخ عصره المتفق على جلالة قدره الفقيه أبو عاصم الفضيل بن يحيى الهروي‏.‏

وفيها توفي شيخ زمانه في همدان علماً وفضلاً وجلالة وزهداً ويقيناً في العلوم وحظاً‏:‏ أبو الفضل محمد بن عثمان بن زيرك القومساني‏.‏

وفيها توفي أبو الفتيان محمد بن السلطان المعروف بابن حتوس بالحاء المهملة المفتوحة والياء المشددة المثناة من تحت والواو الساكنة وبعدها سين مهملة وفي شعر المغاربة‏:‏ ابن حبوس بالموحدة المخففة‏.‏

كان أبو الفتيان المذكور شاعراً مشهوراً من الشعراء الشاميين المحسنين وفحولهم المجيدين له ديوان شعر كبير لقي جماعة من الملوك والآكاب ومدحهم وأخذ جوائزهم‏.‏

ومن نظمه في مدح أبي المظفر نصر بن محمود بن شبل الدولة قوله في قصيدة‏.‏

ثمانية لم تفترق مذ جمعتها فلا افترقت ما ذب عن ناظر شفر يقينك والتقوى وجودك والغنى ولفظك والمعنى وحزمك والنصر ومما وجد في ديوان ابن حيوس هذه الأربعة الأبيات وبعضهم ينسبها إلى أبي بكر الصائغ والله اعلم بحقيقة ذلك‏:‏ أسكان نعمان الأراك تيقنوا بأنكم في ربع قلبي ودوموا على حفظ الوداد فطالما بلينا بأقوام إذا استؤمنوا اخافوا سلوا الليل عني مذ تناءت دياركم هل اكتحلت بالغمض لي فيه أجفان وهل جردت أسياف برق سمائكم فكان لها إلا جفوني أجفان وذكروا أنه وصل أحمد بن محمد المعروف بابن الخياط الشاعر إلى حلب وبها يومئذ أبو الفتيان المذكور - فكتب إليه ابن الخياط‏.‏

إلا بقية ماء وجه منتهى عن أن تباع وأين أين المشتري قيل‏:‏ ولو قال‏:‏ وأنت نعم المشتري لكان أحسن‏.‏

 سنة اثنتين وسبعين واربع مائة

فيها توفي الفقيه الزاهد القدوة أبو محمد هياج بن عبيد‏.‏

قال هبة الله الشيرازي‏:‏ ما رأت عيناي مثله في الزهد والورع‏.‏

وقال ابن طاهر‏:‏ بلغ من زهده أنه يواصل ثلاثاً لكن يفطر على ماء زمزم فإذا كان اليوم الثالث واتاه بشيء أكله‏.‏وكان قد نيف على الثمانين وكان يعتمر في كل يوم ثلاث عمر على رجيله ويدرس عدة دروس لأصحابه وكان يزور النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل سنة من مكة فيمشي حافياً ذاهباً وراجعاً‏.‏

روى عن أبي ذر الهروي وطائفة‏.‏

وفيها توفي أبو منصور العكبري محمد بن محمد بن أحمد الأخباري النديم عن تسعين سنة‏.‏

صدوق روى عن عبد الله الجعفي وهلال الحفار وطائفة‏.‏

توفي في رمضان‏.‏

وفيها توفي أبو علي الحسن بن عبد الرحمن الشافعي المالكي‏.‏

وعبد العزيز بن محمد الفارسي الهروي‏.‏

 سنة ثلاث وسبعين واربع مائة

فيها توفي أبو القاسم الفضل بن عبدالله الواعظ النيسابوري‏.‏

وفيها توفي السلطان الغنوي الدمشقي شاعر أهل الشام‏.‏

له ديوان كبير‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن علي بن محمد بن علي الصليحي بضم الصاد المهملة وفتح اللام وسكون المثناة من تحت والحاء المهملة مكسورة القائم باليمن كان أبوه قاضياً باليمن سني المذهب وكان أهله وجماعته يطيعونه وكان الداعي عامر بن عبدالله الرواحي بالراء والحاء المهملة يلاطفه ويركب أو قال‏:‏ يركب إليه لرئاسته وسؤدده وصلاحة علمه فلم يزل عامر المذكور حتى استمال قلب ولده المذكور وهو يومئذ دون البلوغ لاحت فيه مخائل النجابة‏.‏

وقيل كانت عنده حلية علي الصليحي في كتاب الصور وهو من الذخائر القديمة فأوفقه منه على تثقل حاله وشرف ماله وأطلعه على ذلك سراً من أبيه وأهله‏.‏

ثم مات عامر عن قرب وأوصى له بكتبه وعلومه ورسخ في الذهن من كلامه ما رسخ فعكف على الدرس وكان ذكياً فلم يبلغ الحلم حتى تضلع من علومه التي بلغ بها - وبالحد الصعيد غاية البعيد‏.‏

قلت هذا على اعتقاد من هو طريد عن باب التوفيق والاعتقاد السديد فلم يزل مشتغلاً بتلك العفوم الضلالية الأوهامية حتى صار فقيهاً في مذهب الباطنية الإسماعيلة منتصراً في علم التأويل المخالف بمفهوم التنزيل ثم إنه صار يحج بالناس دليلاً على طريق السراة والطائف خمس عشرة سنة وكان الناس يقولون له‏:‏ بلغنا أنك ستملك اليمن بأسره ويكون لك شأن فيكره ذلك وينكره على قائله مع كونه أمراً قد شاع وكثر في أفواه الناس - الخاصة والعامة‏.‏ولما كان سنة تسع وعشرين رأربع مائة ارتقى رأس جبل هو أعلى ذروة من جبال اليمن وكان معه ستون رجلاً قد خالفهم بمكة في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة على الموت والقيام بالدعوة وما منهم إلا من هو من قوم وعشيرة في منعة وعدد كبير ولم يكن برأس الجبل المذكور بناء بل كان قلة عالية منيعة فلما ملكها لم ينتصف نهار ذلك اليوم إلا وقد أحاط بها عشرون ألف ضارب بسيف وحصروه وشتموه وسفهوا رأيه وقالوا له‏:‏ إن نزلت و إلا قتلناك أنت ومن معك بالجوع فقال لهم‏:‏ لا أفعل هذا إلا خوفاً علينا وعليكم أن يملكه غيرنا فإن تركتموني أحرسها وإلا نزلت إليكم فانصرفوا عنه ولم يمض عليه أشهر حتى بنى في رأس ذلك الجبل وحصنه وأتقنه واستفحل أمر الصليحي شيئاً فشيئاً‏.‏

وكان يدعو للمستنصر العبيدي صاحب مصر في الخفية ويخاف من نجاح صاحب تهامة ويلاطفه ويستكبر لأمره وفي الباطن يعمل الحيلة في قتله ولم يزل حتى قتله بالسم مع جارية جميلة أهداها إليه وكان ذلك في سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة بالكدراء وفي سنة تلاث وخمسين كتب الصليحي إلى المستنصر يستأذنه في إظهار الدعوة فأذن له فطوى البلاد طياً وفتح الحصون والبلاد ولم تخرج سنة خمس وخمسين إلا وقد ملك اليمن كله‏:‏ سهله ووعره وبره وبحره‏.‏

وقيل‏:‏ وهذا أمر لم يعهد مثله في الجاهلية والإسلام حتى قال يوماً وهو يخطب الناس في جامع الجند‏:‏ وفي مثل هذا اليوم يخطب على منبر عدن ولم يكن ملكها بعد فقال بعص من حضر‏:‏ سبوح قدوس تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً قلت قوله سبوح قدوس‏:‏ إن كان تعظيماً له وتنزيها فقد كفر قائله إذ أشركه مع الله بما يختص به تعالى وإن كان تهكماً به وأنه ادعى من القدرة صفة من صفات الله تعالى التي لا يتصف بها غيره فمثل هذا لا ينبغي أن يقال والظاهر - والله أعلم - أن هذا مقال بعض الزنادقة أخرجه مخرج التعظيم له‏.‏

قال‏:‏ فلم يدر مثل ذلك اليوم حتى خطب الصليحي على منبر عدن فقام ذلك الإنسان وتعالى في المقام وأخذ البيعة ودخل في المذهب‏.‏

وفي سنة خمس وخمسين استقر حاله في صنعاء وأخذ معه ملوك اليمن الذين أزال ملكهم وأسكنهم معه وولى في الحصون غيرهم واختط بمدينة صنعاء عدة حصون وحلف أن لا يولي تهامه إلأ لمن وزن له مائة ألف دينار فوزنت له ذلك زوجته أسماء عن أخيها أسعد بن شهاب فولاه وقال لها‏:‏ يا مولاتنا أنى لك هذا قالت‏:‏ هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب فتبسم وعلم أنه من خزانته فقبضه وقال‏:‏ هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا‏.‏

ولما كان في سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة عزم الصليحي على الحج فأخذ الملوك الذين كان يخاف منهم أن يثوروا عليه واستصحب زوجته أسماء بنت شهاب واستخلف مكانه ولده منها المكرم أحمد وتوجه في ألفي فارس فيهم من آل الصليحي مائة وتسعون - شخصاً حتى إذا كان بالمنج نزل في ظاهرها بالعسكر بضيعة يقال لها أم الدهيم وبيرام معبد ونزلت عساكره والملوك الذين معه من حوله فلم يشعر الناس حتى قتل الصليحي فانزعر الناس وكشفوا عن الخبر فإذا الذي قتله سعيد الأحول ابن الذي قتلت الجارية أباه نجاحاً بالسم أرسل إليه أخوه يعلمه أن الصليحي متوجه إلى مكة فتحضر حتى تقطع عليه الطريق فحضر ثم خرج هو وأخوه ومعهما سبعون رجلاً بلا مركوب ولا سلاح بل مع كل واحد جريدة في رأسها مسمار حديد وتركوا جادة الطريق وسلكوا الساحل وكان بينهم وبين المخيم مسيرة ثلاثة ايام وكان الصليحي قد سمع بخروجهم فسير خمسة آلاف حربة من الحبشة الذين كانوا في ركابه لقتالهم واختلفوا في الطريق فوصل سعيد الأحوال المذكور ومن معه إلى طريق المخيم وقد أخذ منهم التعب والجفاء وقلة المادة فظن الناس أنهم من جملة عبيد العسكر ولم يشعر بهم إلا عبدالله أخو الصليحي فقال‏:‏ يا مولانا اركب فهذا والله الأحول سعيد بن نجاح‏.‏

وركب عبدالله فقال الصليحي لأخيه‏:‏ إني لا أموت إلا بالدهيم وبيرام معبد التي نزل بها رسول الله صلى الله عليه اله وسلم لما هاجر إلى المدينة فقال له رجل من أصحابه‏:‏ قاتل عن نفسك فهذه والله الدهيم وهذه بيرام معبد‏.‏

فلما سمع الصليحي ذلك لحقه اليأس من الحياة وقال‏:‏ فلم يبرح من مكانه حتى قطع رأسه بسيفه وقتل أخوه معه وسائر الصليحيين‏.‏

ثم إن سعيداً أرسل إلى الخمسة آلاف التي أرسلها الصليحي أن الصليحي قد قتل وأخذت ثأر أبي فقدموا عليه وأطاعوه واستعان بهم على قتال عسكر الصليحيين فاستظهر عليهم قتلاً وأسراً ونهباً ثم حمل رأس الصليحي على عود المظلمة وقرأ القارىء‏:‏ ‏"‏ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ‏"‏ - آل عمران - ورجع إلى زبيد وقد حاز الغنائم‏.‏

قلت هكذا نقل بعض المؤرخين وقد ذكرته عن بعضهم في كتاب المرهم أن داعي الاسماعيلية دخل اليمن ودعا إلى مذهبهم ونزل في الجبل المذكور ولم يزل يدعو سراً حتى كثرت أتباعهم وظهرت دعوتهم وملكوا جبال اليمن وتهامتها‏.‏

ولكن ذلك مخالف بما قدمناه عن بعض في هذا التاريخ من وجوه‏.‏منها‏:‏ أنهم ذكروا أن داعيهم الذي أظهر مذهبهم في اليمن وملكهم اسمه‏:‏ علي بن فضل من ولد خنفر بفتح الخاء المعجمة وسكون النون وفتح الفاء في آخره راء بن سبأ‏.‏

والذي تقدم في هذا التاريخ اسمه علي بن محمد الصليحي‏.‏ومنها أن دعوتهم ظهرت في سنة سبعين ومائتين والمذكور فيما تقدم من هذا التاريخ أن دعوتهم ظهرت في سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة‏.‏

ومنها أنهم ذكروا أن علي بن الفضل المذكور كان داعياً للاسماعيلية والصليحي المذكور في هذا التاريخ كان داعياً للرافضة الإمامية ولكن يمكن الجمع بينهما على هذا الوجه وهو أنهم في ظاهر الدعوة يقرون إلى مذهب الإمامية وفي الباطن متدينون لمذهب الباطنية‏.‏

ولهذا قال الإمام حجة الإسلام في وصف الباطنية‏:‏ ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفرالمحض‏.‏

ومنها أن الداعي علي بن الفضل الذي ملك اليمن كان داعياً لإمام لهم كان مستتراً في بلاد الشام والصليحي المذكور كان داعياً للمستنصر العبيدي صاحب مصر‏.‏

ومنها أن على بن فضل لما استولى على اليمن تظاهر بالزندقة وخلع الإسلام وأمر جواريه أن يضربن بالدفوف على المنبر وتغنين بشعر قاله أوله‏:‏ خذي الدف يا هذه واضربي وغني هزاريك ثم أطربي تولى نبي بني هاشم وهذا نبي بني يعرب وقد حط عنا فروض الصلاة وحط الصيام ولم يتعب قلت‏:‏ وقوله نبي بني يعرب بالنبي نفسه وأنه جاء بشريعة مسقطة للفروض التي أوجبتها شريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم يزعم المارق - لعنه الله - أن ما نسب إليه كان صحيحاً ويحتمل أنهما قضيتان في زمانين والله أعلم‏.‏

فيها فتح تاج الدولة أخو السلطان ملكشاه طرسو‏.‏

وفيها توفي أبو الوليد الباجي سليمان بن خلف المالكي الأندلسي كان من علماء الأندلس وحفاظها سكن شرق الأندلس ررحل إلى الشرق فأقام بمكة مع أبي ذر الهروي ثلاثة أعوام وكان يمضي معه إلى السراة مع أهل أبي ذز وحج أربعة أعوام ثم رحل إلى بغداد فأقام بها ثلاثة أعوام يدرس الفقه ويقرأ الحديث ولقي فيها جماعة من العلماء منهم‏:‏ الإمام أبو الطيب الطبري تفقه عليه والشيخ أبو إسحاق الشيرازي وأقام بالموصل مع أبي جعفر الشيباني يدرس عليه الفقه كذا ذكر ابن خلكان‏.‏

وقال الذهبي‏:‏ أخذ عنه علم الكلام وسمع الكثير وبرع في الحديث والفقه والأصول والنظر ورد إلى وطنه بعد ثلاثة عشر سنة وكان ممن روى عنه الحافظ أبو بكر الخطيب ويونس بن عبدالله بن مغيث ومكي بن أبي طالب وابن غيلان وغيرهم‏.‏

وقال أبو علي بن سكرة‏:‏ ما رأيت أحداً على سمته وهيبته وتوفير مجلسه وصنف كتباً كثيرة منها كتاب المنتقى و كتاب إحكام الفصول في أحكام الأصول وكتاب التعديل والتجريح فيمن روى عنه البخاري في الصحيح وغير ذلك وكان أحد الأئمة الأعلام المقتدي بهم الأنام ووقع بينه وبين أبي محمد بن حزم المعروف بالظاهري مجالس ومناظرات ولي القضاء بالأندلس وقد قيل إنه ولي قضاء حلب أيضاً‏.‏

وأخذ عنه أبو عمر بن عبد البر صاحب الاستيعاب وكان يقول‏:‏ سمعت أبا ذرعبد بن أحمد الهروي يقول‏:‏ لو صحت الإجازة لبطلت الرحلة‏.‏وروى عنه الخطيب البغدادي قال‏:‏ أنشدني أبو الوليد الباجي لنفسه‏:‏ اذا كنت أعلم عماً يقيناً بأن جميع حياتي كساعة فلم لا أكون ضنيناً بها وأجعلها في صلاح وطاعة والباجي نسبة إلى باجة وهي مدينة بإفريقية وهناك باجة أخرى وهي قرية من قرى أصبهان‏.‏

وفيها توفي أبو بكر محمد بن المزكي النيسابوري المذكور المحدث‏.‏

كتب عنه خمسمائة نفس وأكثر عن أبيه وأبي عبد الرحمن السلمي والحاكم‏.‏

وروى عنه الخطيب مع تقدمه‏.‏توفي في رجب‏.‏

 سنة خمس وسبعين واربع مائة

فيها قدم الشريف أبو القاسم البكري الواعظ من عند نظام الملك إلى بغداد فوعظ بالنظامية ونبذا الحنابلة بالتجسيم فسبوه وتعرضوا له وكبس دور بني الفراء وأخذ كتاب القاضي أبي يعلى في إبطال التأويل وكان يقرأ بين يديه وهو على المنبر فيشفع به ويشيع شأنه‏.‏

وفيها توفى محدث أصبهان ومسندها عبد الوهاب ابن الحافظ أبي عبدالله العبدي الأصفهاني‏.‏

وفيها سنة‏.‏

 ست وسبعين واربع مائه

فيها عزم أهل حران وقاضيهم على تسليم حران إلى أمير التركمان لكونه سنياً وغضبوا على صاحب الموصل لكونه رافضياً ولكونه يساعد المصريين على محاصرة دمشق فأسرع إلى حران ورماها بالمنجنيق وأخذها وذبح القاضي وولديه‏.‏

وفيها توفي الشيخ الإمام المتفق على جلالته وبراعته في الفقه والأصول وزهادته وورعه وعبادته وصلاحه وجميل صفاته السيد الجليل أبو إسحاق المشهور فضله في الآفاق جمال الدين ابراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي الفيروزأبادي وعمره ثلاث وثمانون سنة دخل شيراز وقرأ بها الفقه على أبي عبدالله البيضاوي وعلى عبد الوهاب بن رامين ثم دخل البصرة وقرأ فيها على بعض علمائها ودخل بغداد سنة خمس عشرة وأربعمائة تفقه على جماعة من الأعيان وصحب القاضي أبا الطيب الطبري ولازمه كثيراً وانتفع به وظهرفضله وتميز على أصحابه وناب عنه في مجلسه ورتبه مفيداً في حلقته وصنف التصانيف المباركة المفيدة المشهورة السعيدة منها التنبيه والمهذب في الفقه واللمع وشرحه في أصول الفقه والنكت في الخلاف والمعونة في الجدل وله شعر حسن ومنه قوله‏:‏ تمسك إن ظفرت ودحر فإن الحر في الدنيا قليل وقوله أيضاً فيما نقله بعضهم‏:‏ أحب الكأس من غير المدام وأهوى للحسان بلا حرام وما حبي لفاحشة ولكن رأيت الحب أخلاق الكرام وقوله أيضاً فيما عزي إليه‏:‏ حكيم يرى أن النجوم حقيقة ويذهب في أحكامها كل مذهب يخبر عن أفلاكها وبروجها وما عنده علم بما في المغيب‏.‏

وسيأتي ذكر شيء مما قيل فيه وفي كتبه‏.‏

وذكر الحافظ ابن عساكر أنه كان أنظر أهل زمانه وأفصحهم وأورعهم وأكثرهم تواضعاً وبشرى‏.‏

انتهت إليه رئاسة المذهب ورحل إليه الفقهاء من الأقطار وتخرج به أئمة كبار ولم يحج ولا وجب عليه حج لأنه فقيراً متعففاً قانعاً باليسير‏.‏

سمع الحديث من أبي علي ابن شاذان وأبي بكر البرقاني وغيرهما وتفقه على جماعة في شيراز والبصرة وبغداد‏.‏

قلت وقد ذكر الشيخ أبو إسحاق المذكور في طبقات الفقهاء قريب عشرة من شيوخه منهم من انتسب إليه وأشهرهم في الانتساب إليه والاشتغال عليه والملازمة له والأخذ عنه‏:‏ الإمام القاضي أيو الطيب الطبري‏.‏

قال الحافظ ابن عساكر‏:‏ وكان يظن ممن لا يفهم أنه مخالف للأشعري - لقوله في كتابه في أصول الفقه‏:‏ وقالت الأشعرية الأمر لا صيغة له قال‏:‏ وليس ذلك لأنه يعتقد اعتقاده قال‏:‏ وقد ذكرنا فتواه فيمن خالف الأشعرية واعتقد بتبديعهم وذلك أوفى دليل على أنه منهم‏.‏

انتهى كلام الحافظ ابن عساكر‏.‏

قلت‏:‏ والفتوى المذكورة عن الشيخ أبي إسحاق في هذه الألفاظ التي نقلها الإمام ابن عساكر الجواب وبالله التوفيق‏.‏

إن الأشعرية هم أعيان أهل السنة ونصار الشريعة انتصبوا للرد على المبتدعين القدرية والروافض وغيرهم فمن طعن فيهم فقد طعن على أهل السنة وإذا رفع أمر من يفعل ذلك الى الناظر في أمر المسلمين وجب عليه تأديبه بما يرتدع كل أحد‏.‏

وكتب ابراهيم بن علي الفيروزأبادي وبعده جوابي مثله وكتب محمد بن أحمد الشاشي وذكر الحافظ ابن عساكر أيضاً أجوبة أخرى لقاضي القضاة الدامغاني وأصحاب الحديث ولا نطول بذكر ذلك‏.‏

وقال الحافظ محب الدين بن النخار‏:‏ فاق أهل زمانه في العلم والزهد وانتشر فضله في القرب والبعد أو قال‏:‏ في البلاد‏.‏

وأكثر علماء الأمصار من تلامذته‏.‏

وروى عنه الإمام الحافظ السمعاني بسنده في تذييله على تاريخ بغداد أنه قال‏:‏ كنت نائما فرأيت رسول الله صلى عليه وآله وسلم ومعه أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فقلت‏:‏ يا رسول الله بلغني عنك أحاديث كثيرة وأريد أن أسمع منك حديثاً بغير واسطة وروي بعضهم أتشرف به في الدنيا وأجعله ذخراً في الآخرة فقال صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ يا شيخ من أراد السلامة فليطلبها في سلامة غيره منه وكان يفرح ويقول‏:‏ سماني سول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيخاً‏.‏

قال الإمام السمعاني‏:‏ وسمعت جماعة يقولون‏:‏ لما قدم أبو إسحاق رسولاً إلى نيسابور يعني رسول الخليفة أمير المؤمنين المقتدي بأمر الله تلقاه الناس وحمل الإمام أبو المعالي الخويني غاشية ومشى بين يديه يعني بذلك إمام الحرمين‏.‏

قلت‏:‏ وسيأتي في ترجمة إمام الحرمين أن الشيخ أبا إسحاق عظمه أيضا فقال‏:‏ تمتعوا بهذا الإمام فإنه نزهة هذا الزمان‏.‏مشيراً إلى امام الحرمين‏.‏رواه السمعاني‏.‏

وذكر بعض أهل الطبقات كلاماً معناه أنه حكي أن الشيخ أبا إسحاق تناظر هو وإمام الحرمين فغلبه أبو إسحاق بقوة معرفته بطريق الجدل‏.‏

قلت وقد سمعت من بعض المشتغلين بالعلم نحواً من هذا وأن إمام الحرمين قال له‏:‏ والله اعلم ما غلبتني بفقهك ولكن بصلاحك‏.‏

هكذا حكي والله أعلم‏.‏

وذكروا أنه لما شافهه أمير المؤمنين بالرسالة قال‏:‏ وما يدريني أنك أمير المؤمنين ولم أرك قبل هذا قط‏!‏ فتبسم الخليفة من ذلك وأعجبه فأحضر من عرفه به‏.‏

وذكروا أيضاً أنه كان في طريق فمر كلب فزجره بعض أصحابه فقال له أبو إسحاق‏:‏ أما علمت أن الطريق مشتركة بيننا وبينه وله في الورع حكايات شهيرة‏.‏

ومن تواضعه أنه كان - مع جلالته وعلو منزلته - يحضر مجلس بعض تلامذة إمام الحرمين أعني مجلس وعظه وهو الشيخ الإمام البارع جامع المحاسن والفضائل بلا منازع أبو نصر عبد الرحيم ابن الإمام أبي القاسم القشيري كما سيأتي‏.‏

وذكر الحافظ ابن النجار أنه لما ورد بلاد العجم كان يخرج إليه أهلها بنسائهم فيمسحون أردانهم يعني به أو قال‏:‏ أردانهم به ويأخذون تراب نعله فيستشفون به‏.‏وذكر علماء التاريخ أنه لما فرغ نظام الملك من بناء المدرسة النظامية التي في بغداد سنة تسع وخمسين وأربع مائة قرر لتدريسها الشيخ أبا إسحاق‏.‏

واجتمع الناس من سائر أعيان البلد وجوه الناس على اختلاف طبقاتهم فلم يحضر الشيخ أبو إسحاق وسبب ذلك أنه لقيه صبي قيل حمال من السوق فقال له‏:‏ كيف تدرس في مكان مغصوب‏.‏

فرجع واختفى فلما أيسوا من حضوره قالوا‏:‏ ما ينبغي أن ينصرف هذا الجمع إلا بعد تدريس فدرس الإمام أبو نصر بن الصباغ - مصنف الشامل وقيل‏:‏ لم يكن حاضراً بل نفذ إليه عند ذلك فحضر ودرس‏.‏

فلما وصل الخبر إلى نظام الملك أقام القيامة على العميد أبي سعيد فلم يزل يرفق بالشيخ أبي إسحاق حتى عرس بها‏.‏

وذكر بعضهم أن الشيخ أبا إسحاق ظهر في مسجده بعد اختفائه ولحق أصحابه من ذلك ما بان عليهم وفتروا عن حضور درسه وراسلوه أنه أن لم يدرس بها مضوا إلى ابن الصباغ وتركوه فأجاب إلى التدريس بها وعزل ابن الصباغ وكان مدة تدريسه بها عشرين يوماً‏.‏

قلت لماذا كان الحامل للشيخ أبي إسحاق على التدريس بها قول طلبته المذكور وفتورهم عن حضور درسه فذلك يحمل على حرصه على نشر علمه ونفع المسلمين به ويكون ذلك من النصيحة للدين والاهتمام بالقيام لإظهار ما شرع من الأحكام وتعليمها للراغبين فيها من الأنام وكراهية أن يكون علمه مهجوراً وتعطيل النفع بما سعى في تحصيله دهوراً‏.‏

قلت ومما يناسب ذلك ما جرى لبعض علماء اليمن وهو الفقيه الإمام الكبير البارع الولي الشهير قدوة الزمن ومفتي اليمن‏:‏ علي بن قاسم وذلك أن سلطان اليمن لما ثبت عنده أنه أفضل أهل زمانه في نواحي مكانه ندبه إلى التدريس في مدرسته فامتنع فراجعه في ذلك فلم يوافق فقالوا له‏:‏ إما تدرس في مدرستي وإما تخرج من بلادي فقال‏:‏ أنا أخرج فخرج إلى بعض الأمكنة التي لا يجتمع فيها من الطلبة مثل ما يجتمع في المدن فأخذ يدرس فيها فلم يحضر عنده إلا نفر يسير خلاف ما كانه يحضره عنده من الجمع الكثير فأنكر في ذلك وقال‏:‏ أرجع أدرس في المكان الذي كنت فيه - والبلاد بلاد الرحمن ما هي بلاد السلطان فرجع فأعلم السلطان - برجوعه فقال‏:‏ لعله قبل التدريس فاستحضره وأمره بالذهاب إلى المدرسة فامتنع من ذلك فقال‏:‏ اذهبوا به إلى الحبس فذهبوا به فلما بلغ ببعض الطريق أمر برده فلما رجع إليه قال له‏:‏ المصلحة أن تدرس فأبى ورأى المصلحة بخلاف ذلك فقال‏:‏ اذهبوا به إلى الحبس فذهبوا به إلى أن بلغ ما شاء الله من الطريق ثم استدعى برده فلما رجع تكلم عليه وحذره من المخالفة وبالغ في ذلك فقال‏:‏ لا سبيل إلى ذلك فقال‏:‏ اسجنوه فسجنوه بعنف وربما أخذوه بأطوار فقال‏:‏ يا قميص اخنقه‏.‏

أو كما قال من الكلام مشيراً بذلك إلى قميص السلطان فخنق السلطان قميصه ونزل عليه من البلاء ما لا يطيقه فصاح‏:‏ أطلقوه أطلقوه‏.‏

فما أطلقوه فأطلقه السلطان لما أصابه من البلاء والامتحان‏.‏

ومما وقع للفقيه المذكور مع السلطان أنه حضر شهر رمضان في وفد السلطان فقال‏:‏ انظروا أفضل الناس يصلي بنا في هذا الشهر‏.‏

فقالوا‏:‏ ما هنا أفضل من الفقيه علي بن قاسم فاستدعى به السلطان والتمس منه أن يؤمهم فلما كان أول ليلة من رمضان تقذم على أنه يصلي بهم فطار شرار من الشماع التي في حضرة السلطان فوقعت في ثياب الفقيه المذكور فنفض ثيابه وهج خارجاً من ذلك المكان وهو يقول‏:‏ ‏"‏ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ‏"‏ - هود 113 -‏.‏

وكان من حدة ذكائه وقوة براعته في الفقه أنه التزم ان جميع ما يسأل عنه لا يجيب عنه إلا من كتاب التنبيه‏.‏

رجعنا إلى ذكر صاحب التنبيه‏:‏ أخبرني بعض الفقهاء الصلحاء أفضل أهل الصنعاء ممن يرد عليه أحوال الفقراء قال‏:‏ كنا جماعة نتدارس التنبيه كما يتدارس القرآن فبينا نحن في بعض الأيام نتدارسه إذ كشف لي عن الشيخ أبي إسحاق حاضراً معنا في المجلس وإذا به يقول ما معناه‏:‏ حسبت في كتابي ما حسبته من خير الآمال وما حسبت قط أنه بلغ إلى هذا الحال أو نحو ذلك من المقال‏.‏

يعني‏:‏ أنه يتدارس كما يتدارس القرآن‏.‏

وقال القاضي محمد بن محمد الماهاني‏:‏ إمامان ما اتقق لهما الحج‏:‏ الشيخ أبو إسحاق والقاضي ابو عبدالله الدامغاني‏.‏

اما أبو إسحاق فكان فقيراً ولكن لو اراده لحمل على الأعناق‏.‏

وأما الدامغاني فلو أراد الحج على السندس والاستبرق لأمكنه‏.‏

وقال الفقيه أبو الحسن محمد بن عبد الملك الهمداني‏:‏ حكى أبي قال‏:‏ حضرت مع قاضي القضاة أبي الحسن الماوردي - سنة أربعين وأربعمائة - في عزاء إنسان سماه فتكلم الشيخ أبو إسحاق فلما خرجنا قال الماوردي‏:‏ ما رأيت كأبي إسحاق لو رأه الشافعي لتجمل به أو قال‏:‏ لأعجب به‏.‏

وقال الإمام أبو بكر الشاشي مصنف المستظهري‏:‏ وشيخنا أبو إسحاق حجة على أئمة العصر‏.‏

وقال الموفق الحنفي‏:‏ الشيخ أبو إسحاق أمير المؤمنين فيما بين الفقهاء‏.‏

وقال الإمام السمعاني‏:‏ كان أبو إسحاق يوسوس في الطهارة‏.‏

سمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول‏:‏ كان الشيخ أبو إسحاق يتوضأ في الشط فغسل وجهه مراراً فقال له رجل‏:‏ يا شيخ أما تستحي تغسل وجهك كذا وكذا مرة‏!‏ فقال أبو إسحاق‏:‏ لو حصلت لي الثلاثة ما زدت عليها‏.‏

يعني‏:‏ لو حصل لي العلم أو الظن المولد بعموم الثلاث للوجه ما زدت عليها‏.‏

انتهى‏.‏

قلت‏:‏ جميع هذا المذكور في الشيخ أبي إسحاق مما ذكره علماء الطبقات والتواريخ ومما رويناه عن أهل العلم والخبر‏.‏

ومن ذلك أيضاً ما ذكر بعضهم أنه رأى الشيخ الإمام أبا إسحاق المذكور بعد وفاته وعليه ثياب بيض وعلى رأسه تاج - فقيل له‏:‏ وما هذا البياض فقال‏:‏ شرف الطاعة‏.‏

قال‏:‏ والتاج قال‏:‏ عز العلم‏.‏

وفيه قال عاصم بن الحسن‏:‏ تراه من الذكاء نحيف جسم عليه من توقده دليل إذا كان الفتى ضخم المعالي فليس يضره الجسسم النحيل قال السلار العقيلي‏:‏ كفاني إذا عز الحوادث صارم ينيلني المأمول في الإثر والأثر يقد ويفري في اللقاء كأنه لسان أبي إسحاق في مجلس النظر ومما قيل فيه‏:‏ وكان قد استقر إجماع أهل بغداد بعد موت الخليفة على أن يعقد الخلافة لمن اختاره الشيخ أبو إسحاق فاختار المقتدي بأمر الله فيما حكاه الإمام طاهر ابن الإمام العلامة يحيى بن أبي الخير العمراني فيما يغلب على ظنه‏.‏

ولقد رضيت عن الزمان وإن رمى قومي يخطب ضعضع الأركانا لما رآني طلبة الخبر الذي أحيى الإله بعلمه الأديانا أزكى الورى ديناً واكرم شيمة وأمد في طلق العلوم عنانا وأقل في الدنيا القصيرة رغبة ولطالما قد أنصف الرهبانا فتخيله من زهده ومخافة لله قد نظر المعاد عيانا ومما قيل فيه وفي كتاب التنبيه ما رواه الحافظ ابن عساكر‏:‏ سقياً لمن صنف التنبيه مختصراً ألفاظه العز واستقصى معانيه إن الإمام أبا إسحاق صنفه للة والدين لا للكبر والتنبيه رأى علوماً عن الأفهام شاردة فجازها ابن علي كلها فيه لا زلت للشرء ابراهيم منتصراً تذب عنه أعاديه وتحميه قلت‏:‏ وفيه وفي كتاب المهذب وما اشتمل عليه من الفقه والمسائل النفيسات نظمت قصيدة من جملتها هذه الأبيات بعدما طعن فيه بعض المتعصبين وزعم أنه ليس فيه شيء من المسائل الفقهيات وحلف على ذلك بعض إيمان الغليظات فأرسل إلي من بعض البلاد البعيدة في السؤال عن ذلك وعن اليمين المذكورة فأجبت بجواب مشتمل علي التعنيف والإنكار الشديد على الطاعن في محاسنه المشهورة وختمت الجواب بهذه الأبيات التي هي إلى فضائله مشيرات‏:‏ إذا الغز عن غر المسائل سائل وقال‏:‏ افتني أين استقرت فجاوب وقل غرها عن در فقه تبسمت ملاح الحلي حلت كتاب المذهب عذارى المعاني قد زهت في خدورها على غير كفو لازمات التحجب بمدح علاه لا أقوم وإنما أذب مقال الطاعن عن المتعصب قبولاً واقبالاً حظته سعادة وأضحى لطلاب كياقوت مطلب تصانيفه كم من إمام وطالب بها انتفعا في شرق أرض ومغرب وما ذاك إلاعن عطاء عناية وتخصيص فضل لاينال بمكسب ولما مات الشيخ أبو إسحاق رثاه أبو القاسم بن نافيا بالنون وبعد الالف فاء ثم المثناة من تحت هكذا هو في الاصل المنقول منه حيث قال‏:‏ أجرى المدامع بالدم المهراق خصب أقام قيامه الآباق ما لليالي لا تؤلف شملها بعد ابن نجدتها أبي إسحاق إن قيل مات فلم يمت من ذكره حي على مر الليالي باق ثم درس بعده في النظامية الإمام أبو سعيد المتولي مدة ثم صرف بالإمام ابن الصباغ ثم صرف ابن الصباغ أيضاً بأبي سعيد المذكور على ما نقل بعضهم - وذكر بعضهم أنه لما توفي الشيخ أبو إسحاق جلس أصحابه للعزاء بالمدرسة النظامية فلما انقضى العزاء رتب مؤيد الملك ابن نظام الملك علي سعيد المتولي ولما بلغ الخبر نظام الملك كتب بإنكار ذلك وقال‏:‏ كان من الواجب أن تغلق المدرسة سنة لأجله‏.‏

وأمر أن يدرس الشيخ أبو نصر بن الصباغ‏.‏قلت وممن صاحب المستظهري وأبو النجيب السهروردي وجماعة كبار مترتبون على تعاقب الأعصار وقد يتعجب من عدم ذكر التدريس بها إمام الحرمين وليس بعجب فإن إمام الحرمين كانت إقامته بنيسابور وكان مدرساً هنالك بالمدرسة النظامية‏.‏

قلت وهذا ما اقتصرت عليه من ذكر مناقب الشيخ أبي إسحاق وله فضائل جليلة ومحاسن جميلة وسيرة حميدة طويلة‏.‏

ثم أدبه وزهادته وورعه وعبادته وفضائله وبراعته وتواضعه وقناعته وصلاحه وكرامته وغير ذلك من مشهور المناقب ومشكور المواهب التي لا يحصرها عد حاسب‏.‏

ومن ورعه ما حكوا أنه كان إذا حضر وقت الصلاة خرج من المدرسة النظامية وصلى في بعض المساجد‏.‏

وكان يقول رحمة الله عليه‏:‏ بلغني أنه أكثر آلاتها غصب واصلة على مر الدهور بالنفحات الالهية‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي طاهر بن الحسين القواس الحنبلي وكان إماماً في الفقه والورع رحمه الله‏.‏

وفيها توفي الحافظ عبدالله بن العطار الهروي‏.‏

وفيها توفي الواعظ البكري الأشعري أبو بكر المغربي‏.‏

وفد على نظام الملك بخراسان فكتب له سجلاً أن يجلس بجوامع بغداد فقدم وجلس ووعظ ونال من الحنابلة سباً وتكفيراً ونالوا منه‏.‏

وفيها توفي مقرىء الأندلس في زمانه أبو عبدالله محمد بن شريح الرعيني الأشبيلي مصنف كتاب الكافي وكتاب التذكير سمع من أبي ذر الهروي وجماعة‏.‏

فيها سار صاحب قونية سليمان السلجوقي إلى الشام بجيوشه فأخذ أنطاكية وكانت بيد النصارى منذ مائة وعشرين سنة وكان ملكها قد سار عنها إلى بلاد الروم ورتب بها نائباً فأساء إلى أهلها وإلى الجند في إقامته بها‏.‏

فلما دخل بلاد الروم واتفق ولده والنائب المذكور على تسليمها إلى صاحب قونية وكاتبوه فأسرع في البحر ثم طلع وسار إليها في جبال وعرة فأتاها بغتة فنصب السلالم ودخلها وقتل جماعة وعفا عن الرعية وأخذ منها أموالاً لا تحصى ثم بعث إلى السلطان ملك شاه يبشره بالفتح‏.‏

وكان صاحب الموصل يأخذ الوظيفة من أنطاكية فطلب العادة من سليمان فقال له ذلك المال جزية وأنا بحمد الله مؤمن‏.‏

وفيها توفي ذو الوزارتين محمد بن عمار الأندلسي الشاعر المشهور‏.‏

كانت ملوك الأندلس تخافه لبذاءة لسانه وبراعة جنانه‏.‏

وكان جليساً وشهيراً ووزيراً ومشيراً لصاحب الأندلس في زمانه ثم خلع عليه خاتم الملك ووجهه أميراً فتبعته المواكب والمضارب والنجائب والكتائب والجنود وضربت خلفه الطبول ونشرت على رأسه الرايات فملك مدينة تدمير بضم المثناة من فوق وكسر الميم وسكون الدال المهملة بينهما وقبل الراء مثناة من تحت ساكنة وأصبح راقي منبر وسرير مع ما كان فيه من عدم السياسة وسوء التدبير ثم بادر إلى عقوق من قربه فانقلبت الدائرة عليه خوفاً وخاف فيما طلبه وحصل في القبصة قبيصاً وأصبح لا يجد له محيصاً إلى أن قتل في قصره وأضحى مدفوناً في قبره وله أشعار جميلة ومن جملة قصيدة له طويلة في المعتضد بن عباد‏:‏ ملوك العز في عرصاتهم ومثوى المعالي بين تلك المعالم هو البيت يا عز الضنى لبنائه بأس وما عز القنا لدعائم وفيها توفي العالم النبيل اسماعيل بن معبد بن اسماعيل ابن الإمام أبي بكر الإشبيلي الجرجاني‏.‏

كان وافر الحشمة له يد في النظم والنثر‏.‏وفيها قيل في التي قبلها توفيت أم الفضل بنت عبد الصمد الهروية‏.‏

لها جزء مشهور بها يرويه عن عبد الرحمن بن أبي شريح‏.‏

عاشت تسعين سنة‏.‏

وفيها توفي أبو سعيد عبدالله ابن الإمام عبد الكريم بن هوازن القشيري أكبر الإخوة وعاشت أمه فاطمة بنت الشيخ أبي علي الدقاق بعد أربعة أعوام وعمره أربع وستون سنة‏.‏

وفيها توفي الفقيه الإمام مفيد الطلاب ومفتي الأنام‏:‏ عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد البغدادي أبو نصر المعروف بابن الصباغ‏.‏

كان فقيه العراقين وكان يضاهي الشيخ أبا إسحاق الشيرازي‏.‏

وبعضهم يرجحه عليه في معرفة المذهب‏.‏

قلت‏:‏ يعنون في معرفة الفروع وأما معرفة الأصول أو المباحث العقلية فأبو إسحاق مرجح عليه وعلى عامة الفقهاء إلا ما شاء الله تعالى‏.‏

وكان يرحل إليه من البلدان وكان تقياً صالحاً حجة‏.‏

ومن مصنفاته كتاب الشامل في الفقه وهو من أجود كتب الشافعية وأصحها نقلاً وأثبتها أدلة‏.‏

وله كتاب تذكرة العالم والطريق السالم والعدة في أصول الفقه وولي التدريس في النظامية على ما تقدم إيضاحه في ترجمة الشيخ أبي إسحاق وقيل إنه كف بصره في آخر عمره‏.‏وفي السنة المذكورة توفي الشيخ الجليل الكبير الشأن الفضل بن محمد المرشد شيخ خراسان أبو علي المعروف بالفارمدي‏.‏

قال الشيخ عبد الغافر‏:‏ هو شيخ الشيوخ في عصره المنفرد بطريقته في التذكير التي لم يسبق إليها في حسن عبارته وتهذيبه وحسن آدابه ومليح استعارته ودقة إلطافه دخل نيسابور وصحب الأستاذ أبا القاسم القشيري وأخذ في الاجتهاد البالغ إلى أن نال وحصل له عند نظام الملك قبول خارج عن الحد روى عن جماعة وعاش سبعين سنة‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو سعيد مسعود بن ناصر السجزي رحل وصنف وحدث عن جماعة وقال الدقاق‏:‏ لم أر أجود إتقاناً ولا أحسن ضبطاً منه‏.‏